الجمعة، 9 أكتوبر 2015

"زمان الصمت" - الشاعر عبدالله الصيخان

“زمان الصّمت” مرّ ولم يجبني
أيصمت صوتك الزاهي الحبيب؟
وأنت نسجته شجناً خفياً
على أرواحنا إذ نستطيب
فنسأل كيف يسرقنا ويمضي
ويبقى في القلوب له وجيب
"وترحل صرختي تذبل بوادي"
ونكس رأسه الصبـح الكئيب
وكنت إذا شدوت أطل صبح
على صحرائنا ومشى شعيب
وإن أبحرت في أحلى الليالي
فكل قوارب الذكرى نحـيب
أمن زرياب أنت نسجت لحناً
ودوزن عودك الصادي صهيب
أخذت بذوقنا فانساب نهر
ولن يبقى سوى وطني الحبيب

السبت، 15 أغسطس 2015

إلى فنان عربي

"إلى فنان عربي"

نهيقٌ ذا أم ثغاءُ 
ليس ما تفسو به غناءُ
يا هديلا يحسب صوته
فصوتك للغناءِ هجاءُ !
أنا زرياب بغدادٍ وأندلسٍ
وعلى أوتاري ضحك البكاءُ
لم يبق على أغصاننا بلبلٌ
لا حسون ولا ببغاءُ
فالغناءُ العربي اليوم
أفخاذٌ وأكتافٌ وأثداءُ
والغناء العربي اليوم
مسلخ لحمٍ وخنا وبغاءُ
يا كوكب الشرق إن الغناء
بعدك حرامٌ وردة ووراءُ
عندليب النيل اكسر فنجانك
فقارئة الفنجانِ هيفاءُ
فيروز فيروز يا مريم
بنت الغنا أيا عذراءُ !
أسمعتِ أربع قططٍ
فلا غناءٌ إذّ هنّ غنين ولا مواءُ
يا فنان العُربِ أيا أعذبَ
صوتٍ قد غنى على عودك العزاءُ
يا مذهلٌ ويا وهمٌ كيف نكذبه ؟
وهذه رسائله هذه أماكنه وعناءُ

علي أبو هاشم  -  ديوان ( أنتِ النساء )

الأحد، 15 مارس 2015

الحاصلين على الأوسمة الهاشمية من شمال الحجاز

الحاصلين على الأوسمة الهاشمية من شمال الحجاز :

1- هزاع محمد ناصر العبدلي : قائم مقام الوجه، منح وسام النهضة من الدرجة الثانية في 26/ 10/ 1340هـ.

2- الشيخ فرحان الأيدا : منح وسام النهضة من الدرجة الثالثة في 10/ 1/ 1338هـ.

3- محمد علي بن بديوي : أمير ضباء في العهد الهاشمي، منح وسام النهضة من الدرجة الثالثة في 10/ 1/ 1338هـ.

4- الشيخ عودة أبو تايه الحويطي : منح وسام النهضة من الدرجة الثالثة في 10/ 1/ 1338هـ.

5- ناصر هايس الأيدا : منح وسام النهضة من الدرجة الثالثة في 2/ 9/ 1338هـ.

6- الشيخ سعد بن غنيم الجهني : منح وسام النهضة من الدرجة الرابعة في 10/ 1/ 1338هـ.

8- الشيخ حمد أبو شامة البلوي : منح وسام النهضة من الدرجة الرابعة في 27/ 12/ 1340هـ.

9- الشيخ حامد بن سالم بن رفادة البلوي (الملقب بالأعور) صاحب الثورة الشهيرة في الشمال، منح وسام النهضة من الدرجة الرابعة في 27/ 12/ 1340هـ.

10- الشيخ أحمد محمد أبو طقيقة : منح وسام النهضة من الدرجة الرابعة في 27/ 12/ 1340هـ.

13- الشيخ حماد بن منقره البلوي : منح وسام النهضة من الدرجة الخامسة في 3/ 1/ 1339هـ.

14- خليل علام : مدير رسوم الوجه، منح وسام النهضة من الدرجة الخامسة في 27/ 6/ 1339هـ.

17- سلامة ...؟... : معاون قائم مقام الوجه، منح وسام النهضة من الدرجة الخامسة في 23/ 12/ 1340هـ.

18- محمد حسن جمجوم : رئيس بلدية الوجه، منح وسام النهضة من الدرجة الخامسة في 23/ 12/ 1340هـ.

19- عبدالله وصفي : مدير لاسلكي الوجه، منح وسام النهضة من الدرجة الخامسة في 29/ 6/ 1341هـ.

20- الشيخ أحمد بن سليمان بن رفادة البلوي : منح وسام النهضة من الدرجة الخامسة في 3/ 11/ 1341هـ.

المصدر :
كتاب ( الأوسمة الهاشمية ، بتصرف )

السبت، 27 ديسمبر 2014

" هنا في حقل " - الشاعر محمد العطوي

"هنا في حقل"  -  الشاعر محمد فرج العطوي

هنا كانت لنا -ولازالت- أماسينا
هنا في حقلْ
حيث النخلْ
حيث الأهلْ
حيث الشاطئ العذريُّ
يمتاح الرؤى فينا
هنا يا حقل كنت الماء والحقلا
هنا كنّا نعانق فيك تلك الموجة الجذلى
ونودعها أغانينا
ونسمع في تهاديها "أسامينا"
ونسعد بانتشاء الموج يعلينا ويدنينا
ونملأ صفحة البحر
بزخات من الشعر
تموج بها أمانينا
وخلف شواطئ الأيام
يزري العهد بالعهد
يموت الحلم في المهد
يلوك الصمت أحرفنا
يلقننا أغانينا
وبين شفاهنا تبقى :
"أسامينا .. أسامينا"

* * *

فيا حورية البحر
لأنتِ الشعر في شعري
وأنت الذكريات
آهات المحبينا
وأنت حكاية البَحَّارْ
وأنت مرافئ الزوارْ
وأول واحة في ثغرنا البسام
وأول منهل في أرضنا يمتاحه ركب الملبينا
فلن ننساك ما عشنا ، ولن ننسى "أسامينا"

المصدر: ديوان ( أغني.. رغم أني ) ص 70
الشاعر محمد فرج العطوي

السبت، 6 ديسمبر 2014

الترجمة والتأليف - علي الطنطاوي

"الترجمة والتأليف"  -  بقلم الأديب علي الطنطاوي

ما تفتأ الأفكار تحمل وتلد، وما تني المطابع تتلقى الولائد وتلفها بالثياب، وتخرجها للناس كتباً، فلا يدري القارئ من كثرتها ماذا يقرأ، ويحار المرء من تعددها ماذا يختار. ولكن العبقري في الكتب كالعبقري في الناس، لا تراه الدنيا إلا مرة واحدة في الدهر الطويل، ولا يكون إلا واحداً في ملايين. أحْصِ السابقين من العباقرة في الأمم كلها تجدهم قد جمعهم لقلتهم سجل واحد، وضمت أسماءهم صحيفة، ثم اذكركم من ملايين البشر عاشوا معهم، وتنفسوا الهواء الذي كانوا يتنفسونه، وأكلوا من الطعام الذي كانوا يأكلونه، ثم طوتهم الأيام، ونسيهم الناس، فكأنهم ما ولدوا ولا عاشوا، بل ربما كان في هؤلاء المنسيين المجهولين من كانت له الدنيا أعرض من دنيا أولئك العبقريين، وكانوا يتمنون الأقل منها فلا يصلون إليه، وكانت لهم منزلة وكان لهم سلطان، ولكن الزمان محّص الحقائق وماز الأباطيل، فإذا ذلك السلطان زبدٌ يذهب جفاء، وإذا العبقرية تمكث في الأرض لأنها تنفع الناس. وكذلك الكتب، فرب كتاب يطبل له ويزمر، ويقام له ويقعد، وآخر لا يدري به أحد، يبطل الزمان الأول، ويبقي الثاني خالداً.ولقد قرأت في بعض ما قرأت من شعر الإفرنج كلمةً أحسبها "لتيوفيل غوتييه" يقول فيها مخاطباً الملك العظيم لويس الرابع عشر: "لقد نسي التاريخ اللآلي التي كانت في تاجك أيها الملك، ولكنه لا يزال يذكر الرقع التي كانت في حذاء كورني". كما نسي التاريخ ألوف الأمراء والملوك إلا ما خلده شاعر حين أمر اسمه على لسانه في قصيدة من قصائده.هؤلاء الرجال العبقريون، وهذه الكتب العبقريات، التي لا تقوى حدود البلدان، ولا فوارق اللسان، على إبطال فتنتها، وإذهاب روعتها، هذه الكتب (قدر مشترك) بين أبناء الشعوب المتمدنة كلها، ليست لشعب ولا لجيل، لأنها حديث القلوب فهي لكل ذي قلب، ولغة القلوب واحدة وإن اختلفت الألسنة وتعددت البلدان، فما يليق بأمة لها شعور وكرامة وعقل، أن تجهل هذه الكتب ولا هؤلاء الرجال

                                     ******  

أكتب هذا تعليقاً على مقالة الأستاذ الزيات في العدد الماضي من الرسالة. ولقد عادت بي مقالة الأستاذ إلى أيامي الخوالي حين قرات قصة (رفائيل) أول مرة، بإذن أستاذنا شيخ أدباء الشام سليم الجندي، وكان يحرم علينا أن نلم بشيء من الأدب الحديث أو ننظر في جريدة من الجرائد، قبل أن نتمكن من الأدب القديم، ونألف الصياغة العربية، وتستقيم ملكاتنا على طريق البلاغة السوي خشية أن تدخل جراثيم العجمة إلى أسلوبنا، وأن يفشو الضعف في بياننا، فلما سألته عن قصة رفائيل غداة صدورها هل أقرؤها؟ نظر فيها ثم أذن لي بقراءتها لأنه رآها بليغة الأسلوب، صافية الديباجة، سليمة اللغة، سامية البيان، فكانت من أوائل ما قرأت من الأدب الحديث بعد (النظرات) لا أستطيع أن أصف أثرها في نفسي ولا في خيالي ولا في قلمي تلك الأيام، ولا أملك حتى الإلمام بذلك إلماماً، لأنه شيء فوق الوصف وإنما أعترف أنها أحد المصنفات القلائل التي كانت غذاء أدبي من الكتب الجديدة بعد أن غذيته بأمهات كتب الأدب القديم. وقرأت (آلام فرتر) فكان لها مثل ذلك الأثر؛ ثم افتقدت هذا اللون من الأدب فلم أجده؛ ثم وجدت شبهه في مثل (عطيل) مطران و(مرجريت) زكي و(فاوست) عوض، وإن كانت هذه من قماش وتلك من قماش، وإن اختلف النسج وتغيرت الديباجة، وأمثال (تأبين فولتير) التي نقلها المنفلوطي إلى العربية بقلم أحسب لو أن (هوغو) كان عربياً ما كتبها بأبلغ منه؛ كما أن "لامارتين" لم يكن ليكتب قصته ولا "جوته" كتابه، خيراً مما كتبهما الزيات ولو خلقا عربيين من أبين العرب. وإني حين أقرأ اليوم هذه الروائع من أدب الغرب مترجمات في (روايات الجيب) مثلاً أكاد أخرج من ثيابي غيظاً وغضباً لهذه المعاني الكريمات تجيء في هذه الكلمات، وأسفاً على هذه العرائس الفاتنات تخرج في هذه الثياب الأخلاق الباليات، وأفكر لو أن الله قيض لقصة (ذهب مع الريح) مثلاً أو (الفندق الكبير) أو (الأم) وأمثالها الكثيرات من عبقريات القصص العالمية التي ترجمها كتاب روايات الجيب، ونشكرهم على كل حال على حسن اختيارها، وبذل الجهد فيها، إذ لم يدخروا في التجويد وسعاً؛ لكن البلاغة درجات، والكُتاب طبقات؛ لو أن الله قيض لها قلماً لدناً قوياً، لا يشتد فيجرح ولا يضعف فينكسر، فترجمت بأسلوب عذب بليغ، لا يصح من غير جمال فيجف ويجمد، ولا يحمل من غير صحة فيميع ويسيل، لكان منها لهذا النشء مدرسة، الله وحده يعلم كم كانت تخرج لهذه الأمة من كتاب. وليست العبرة في الترجمة بنقل المعنى المجمل للقصة، بل بنقل التفاصيل الفنية الدقيقة والصناعة الناعمة، وطريقة عرض الفكرة، وأسلوب تصوير المشهد. ولو أن المعنى المجمل هو المقصود للخصت قصة يوسف مثلاً في كلمات وضاع إعجاز السورة وجمالها الإلهي، ولكانت قصص الحب في الأدب متشابهة لا تخرج عن أن رجلاً أحب امراةً حباً عاطفياً أو جسمياً، فوصل إليها أو حيل بينه وبينها؛ فهذه أنواع أربعة للقصص الغرامية ينشأ منها أربع قصص فقط ويكون الباقي كله لغواً، مع أن في كل قصة جواً خاصاً بها ودنيا لها وحدها، لا تغني في المتعة الروحية بها قصة منها عن قصة، وما ذلك إلا لاختلاف الدقائق والتفاصيل، ولا يظهر هذه الدقائق والتفاصيل إلا قلم بليغ، بصير بمواقع الكلام، عارف بأوجه الدلالة في الألفاظ، له الحاسة الخفية التي يفاضل فيها بين الكلمات ويحسن انتقاءها، إذ رب كلمتين بمعنى، وبين إحداهما والأخرى مثل ما بين البلاغة والعي, ورب كلمة في لسان لها جو ولها مدلول، وتحيط بها ذكريات عند أهل ذلك اللسان، لا يمكن أن تجيء بها مرادفتها في اللسان الآخر، ومن هنا علت بعض النصوص كالقرآن مثلاً عن الترجمة واستحال أن تنقل إلى غير لغتها.

                                     *******

ونحن اليوم أشبه العصور بعصر المنصور والمأمون، أمة كانت معتزلة منطوية على نفسها، ثم اتصلت بأمم غيرها لها مدنيات وعلوم، فإذا استمرت في عزلتها علت عليها تلك الأمم بعلمها وقويت، وإن تعلمت ألسنتها لتفهم علومها، أضاعت لسانها وعصبيتها، فلم يبق إلا ان ننقل كتب الأمم إلى لسانها، فتزداد به غنى في الأفكار وفي طرق التعبير، ثم تفهمها وتسيغها وتهضمها كما يقولون ثم تنشئ مثلها إنشاء.

ونحن في الواقع لا نستغني عن الترجمة ولا نقل منها، ولكنا نسيء الاختيار فندع الكتاب العبقري الفذ الذي يعد واحداً من مئة كتاب هي خلاصة آداب الأمم كلها ونترجم الكتاب الذي لا فائدة فيه، ثم نسيء التعبير فلا ننقل هذه الكتب إلى العربية وإنما نضع في مكان ألفاظها الأعجمية ألفاظاً عربية، ولا يقدر على الترجمة الصحيحة إلا متمكن من اللغتين، بليغ في اللسانين، يقرأ الفقرة ثم يفهمها ثم يدعها تخالط روحه وتصير كأنها له، ثم يعبر عنها بلسانه، ويزينها بجمال بيانه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*المقالة نُشرت سنة 1945م.
المصدر : كتاب (فكر ومباحث) ص 210

الملكة والثقافة - الأديب علي الطنطاوي

"الملكة والثقافة"  -  بقلم/ علي الطنطاوي

سألني سائل هل الشعر مَلَكَة أم ثقافة، وأيهما أظهر أثراً في تكوين الشاعر؟

وأنا أسأله قبل أن أجيبه: هل الصوت الحسن أظهر أثراً في تكوين المغني المطرب أم الثقافة الموسيقية؟ وأنا أعرف أنه سيقول، إنه لا يكون مغنياً مطرباً حتى يجمع الحسنيين، فيكون حسن الصوت (بالخلقة ) واقفاً على المقامات وأصول النغمات(بالتعلم). فإن اقتصر على حسن الصوت، لم يستقم غناؤه، ولم يحفظ عنه، وربما أفسد ملكته بجهله. وإن اقتصر على الثقافة الموسيقية، وكان قبيح الصوت، لم يُطرب ولم يُعجب، هذا حق، وكذلك الشاعر.

لابد للشاعر (أولاً) من ملكة شعرية: استعداد فطري، وحسّ مرهف وخيال مبدع، وما هو من هذا بسبيل، وهذا شيءٌ لا يحصل بالمرانة، ولا يُنال بالتعلُّم، وإنما هو فطرة، كالصوت الحسن، وإن كانت الملكة تصقل وتهذب، بالاطلاع على آثار البلغاء، كما يهذب الصوت الحسن ويصقل بحفظ أصوات المغنين، ولابد له (ثانياً) من معرفة اللغة التي ينظم فيها، والوقوف على قواعد التعبير عنها، وسنن أهلها في كلامهم، وأن ينظر في آثار أربابها، في عصورها كلها، ويرويها رواية فهم وتذوُّق.

فإن اقتصر على الملكة وحدها، ولم يطلع على شيء من هذا كله، كان كشعراء العامة، وفي الشعر العامي ما يزري (بصوره وأخيلته) بكثير من الشعر الفصيح، ولكنه لا يبقى، فهو كتمثال فني بالغ من الجودة غايتها، غير أنه مصنوع من الثلج، فلا تطلُّ عليه شمس الغد حتى يذوب...

وإن اكتفي بما يأتي به الدرس، ولم تكن له ملكة قط، جاء بشعر صحيح اللغة مستقيم الوزن، لكنه خال من الطبع، ومن العاطفة، ومن الروح، تقرؤه فلا يهز أوتار قلبك، ولا يثير فيها ذكرى محببة، ولا أملاً مشتهى.

وأكثر الشعراء يجمعون الأمرين، على تفاوت حظوظهم منهما، فمن غلبت عليه الملكة كان شاعراً مطبوعاً عبقرياً، ومن غلبت عليه الصناعة كان شاعراً نابغاً مجوداً.

والفرق بين العبقري والنابغة، أن النابغة في كل فن من الفنون يمشي على رأس القافلة، سابقاً أبداً، أما العبقري فإنه يدع طريقها، ويذهب فيشق لنفسه وللناس طريقاً جديداً.

وشاعر النبوغ والقريحة، لا يظهر فنّه إلا بعد أن يكتمل درسه وتحصيله، ويتدرج فيه تدرجاً، أما شاعر العبقرية فيظهر فنه فجأة، ويكون على الغالب مبكراً فيه، وربما كمنت عبقريته أيام الصغر إذا لم يجد ما يثيرها فظهرت عند الكبر.

وشاعر القريحة يتبع نمطاً واحداً، فترى شعره كطيارات السياحة التي تطير على علوٍّ واحد، وسرعة واحدة، لا تخالفها، وشاعر العبقرية يأتي بالعالي النادر الذي لا يتعلق به أحد، ويأتي بالمضحك المزري أو المرذول التافه، كالطيارة المقاتلة تعلو حتى تسامي النجم، ثم تسِفّ حتى تمسّ الأرض.

وشاعر القريحة يجود وينقح ويصحح، ويعود على ما ينظم بالنظرة بعد النظرة، ولا يخرج شعره إلا بعد الزمن الطويل، وشاعر العبقرية، ينصبّ عليه الشعر انصباباً، فيتمخض به تمخض النفساء، فلا يهدأ حتى يأتي وليداً كاملاً وقلما يعود عليه بتنقيح وتصحيح.

وإن شئت الأمثلة، فعندك امرؤ القيس، وهو شاعر عبقري شقَّ للناس طرقاً في الشعر وعلمهم بكاء الديار والغزل العذري، والقصص، والإباحي، وإلى جنبه النابغة وزهير من شعراء القريحة. وبشَّار وأبو نواس، وأبو العتاهية من العباقرة، وإلى جانبهم شعراء العصر العباسي، مروان ومسلم وصريع الغواني، وأشباههم. وأبو تمام وإلى جنبه البحتري، والمتنبي وإلى جنبه أبو فراس، وشوقي وإلى جنبه حافظ (1)

____________________________________________

(1) ولقد كان من أعجب العجب، ومن الكفر في شرعة الأدب، قرن شاعرين معاً، فلا تسمع إلا (حافظ وشوقي) و (شوقي وحافظ)، وأعجب منه أن يقرن بهما خليل مطران، وهو ليس بشاعر قط، وشعره نثر موزون، ومن أنكر هذا القول مني، وصعب عليه لأن يسمع ما خالف الذي تعارفه الناس من الباطل، فليأتني بخمس مقطوعات له، فيه وثبة شعرية، أو خيال مبتكر، ومن شاء فليقابل بين قصيدته ( بعلبك) وهي خير ما في ديوانه، وبين قول شوقي في مثل موضوعها :

أفضى إلى ختم الزمان ففضه
وحبا إلى التاريخ في محرابه
وطوى القرون القهقرى حتى أتى
فرعون بين طعامه وشرابه.

يجد الفرق بينهما كالفرق بين الغادة الفاتنة، والتمثال الرخامي البارد.

المصدر : كتاب (فكر ومباحث) ص 72

الجمعة، 5 ديسمبر 2014

النقوش الإسلامية على طريق الحج الشامي بشمال غرب الجزيرة

خواتيم الكتب - كتاب: النقوش الإسلامية على طريق الحج الشامي بشمال غرب المملكة العربية السعودية (من القرن الأول إلى القرن الخامس الهجري)
تأليف/ د. حياة عبدالله الكلابي

في خاتمة هذا الكتاب تستعرض الباحثة أهم النتائج التي توصلت إليها، وهي تنحصر في النقاط التالية :

* تمثل آثار طريق الحج الشامي على اختلاف أنواعها جانباً كبيراً من الآثار الإسلامية الباقية في شمال غرب المملكة العربية السعودية، وتمثل النقوش الكتابية الإسلامية التذكارية أهم أنواع هذه الآثار، وغالبية هذه النقوش قام بتنفيذها الحجاج والمسافرين السائرون على الطريق تخليداً لرحلة حجهم، ووصولهم إلى الديار المقدسة، وبعضها نفذه السكان المحليون.

* تتضمن هذه النقوش بالإضافة إلى أسماء أصحابها جملاً دعائية، وعبارات دينية ذات صيغ مختلفة مثل: التصريح بتوحيد الله، والاعتراف بربوبية، والإقرار بالولاء له، وبالتوكل والاعتماد عليه، والتصريح بمحبته وخشيته، وبالثقة والاعتصام به، والاعتراف بمآل الأمور إليه، ودعاء بطلب الرزق، والمغفرة، والتوبة، والجنة، والرحمة، وصحبة الله في السفر ورعاية أهل المسافر في غيبته، وطلب الاستشهاد في سبيل الله، وطلب الراض من الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وصيغاً لإثبات المرور بالمكان أو الحضور إليه، أو إشارة إلى كون صاحبها في رحلة ذهاب إلى الحج أو عودة منه، أو إشارة إلى بلده التي قدم منها، كما يتضمن بعضها وصايا موجهة لعموم المسلمين المارين بالطريق تحثهم على تذكر الموت، وتقوى الله، والرضا بما قسم.

* بلغ عدد النقوش التي تمكنت الباحثة من حصرها على مسار طريق الحج الشامي الممتد من حالة عمار إلى المدينة المنورة أربعمائة نقش، وبعض هذه النقوش مطموس طمساً تاماً بفعل عوامل التعرية أو عبث المارة. يضاف إلى ذلك مجموعة أخرى من النقوش موجودة في العلا وما حولها ليست من عمل الحجاج والمسافرين على الطريق وإنما من عمل سكان وادي القرى.

* يعد مجموع نقوش طريق الحج الشامي قليلاً مقارنة بعدد الذين ساروا على الطريق خلال الفترة التي دونت فيها النقوش، مما يسمح بالقول بأن تنفيذ النقوش التذكارية على الطريق لم يكن يستهوي الكثيرين من السائرين عليه.

* غالبية نقوش طريق الحج الشامي غير مؤرخة، إلا أن تاريخها يمكن إرجاعه إلى الفترة الممتدة من القرن الأول إلى القرن الخامس الهجري اعتماداً على ما تحمله من خصائص خطية ومضامين كتابية، وعن طريق مقارنتها مع النقوش المؤرخة من تلك الفترة، سواء وجدت على طريق الحج الشامي أو في أماكن أخرى.

* بلغ عدد النقوش المؤرخة على طريق الحج الشامي أحد عشر نقشاً، سبعة منها مؤرخة بفترة القرن الأول، والأربعة الباقية من القرون: الثاني، والثالث، والرابع، والخامس للهجرة، بواقع نقش واحد من كل قرن. يعد نقش زهير (النقش رقم 1) المؤرخ بسنة 24هـ ذا أهمية بالغة، لأنه أقدم نقش إسلامي مؤرخ يكتشف حتى الآن.

* مورست عادة تنفيذ النقوش التذكارية من قبل المسافرين على طريق الحج الشامي خلال الفترة الإسلامية المبكرة الممتدة من القرن الأول إلى الخامس الهجري، وتوقفت بعد ذلك التاريخ إلا حالات محدودة تعود إلى نهاية العصرين المملوكي والعثماني.

* تتوفر النقوش الكتابية الإسلامية على طريق الحج الشامي في أماكن التضاريس الجبلية وتقل، وأحياناً تنعدم، في الماطق المنبسطة، وفي السهول والقيعات الواسعة، ولذا فإن النقوش تنعدم في جزء الطريق الواقع بين حالة عمار وتبوك، وتتوفر على جزء الطريق الواقع بين تبوك والحجر، وتزداد بكثرة في جزء الطريق الواقع بين الحجر والمابيات، وتندر في جزء الطريق الواقع بين المابيات وذي المروة، وتنعدم مرة أخرى في جزء الطريق الواقع بين ذي المروة والمدينة المنورة.

* وجود النقوش الكتابية الإسلامية في عدد من المواقع على مسار الطريق جنباً إلى جنب مع النقوش العربية القديمة المكتوبة بخطوط: المسند، واللحياني، والثمودي، والنبطي يؤكد أن طريق الحج الشامي كان في الأصل أحد مسارات طريق التجارة العربية القديمة.

* تشمل مواضع الطريق التي نفذت فيها النقوش: مواقع المماسك الطبيعية للمياه، ومواقع الظلال، والصخور البارزة على مسار الطريق، ومنازل الطريق التي تشكل نهاية مرحلة، ومواقع الاستراحات المتوسطة بين المنازل الرئيسة.

* أسفرت دراسة مواقع النقوش عن تحديد أربعة مواقع استراحة لقوافل الحجاج خلال الفترة الإسلامية المبكرة بين المنازل الرئيسة التي ذكرتها المصادر على الطريق. وهذه المواقع هي: الأوجرية، الصاني، البريكة، أبو طاقة.

* تمثل نقوش طريق الحج الشامي التذكارية الآثار الوحيدة التي تركها مستخدمو الطريق من الحجاج والمسافرين في حين أن بقية آثار الطريق منشآت وعمارات أقامها الحكام والولاة المسلمون.

* كانت نقوش طريق الحج الشامي التذكارية تسمى عند أصحابها (شهادة)، حيث ورد هذا المصطلح في أحد النقوش المؤرخة بسنة 83هـ (النقش رقم 5).

* استخدمىت بعض صيغ هذه النقوش مثل (الله ولي فلان) أو (الله ثقة فلان) في عبارات التوقيعات الشخصية وأختام الأفراد في الفترة الإسلامية المبكرة، ولذا فإن بعض هذه النقوش يحتمل أن يكون شهادة وتوقيعاً تذكارياً بنص الصيغة التي يحملها ختم صاحبها.

* تحوي نصوص النقوش، بالإضافة إلى العبارات الدينية والجمل الدعائية، مضامين اجتماعية.

* تضمنت نصوص النقوش أسماء عدد محدود من الشخصيات المعروفة أو المنتسبة إلى أسر مشهورة كعلي بن عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن سعد بن معاذ الأنصاري، ومحمد بن سعيد بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، وإسماعيل بن الحسن الزبيري، وجعفر بن إسحاق الزبيري.

* تضمن العدد الأكبر من نقوش طريق الحج الشامي أسماء وألقاب وكنى شخصيات إسلامية غير معروفة ولا يرد ذكر لها في المصادر وكتب الرجال.

* يمثل المكان المعروف بدربب الحاج الواقع بين الحجر والمابيات الموقع الذي تتجمع فيه أكبر كمية من النقوش الكتابية الإسلامية على طريق الحج الشامي.

* بعض نقوش طريق الحج الشامي افتتح بالبسملة وختم بعبارة آمين.

* تضمنت بعض نقوش طريق الحج الشامي دعوة إلى قراءة النقش المكتوب ودعاء بالرحمة لمن يفعل ذلك من المارة.

* وردت في نقوش طريق الحج الشامي تسعة ألقاب هي: الأمير، هلال الدولة، سيف الدولة، مولى، مولى الأمير، فتى، غلام، عبد، عبد الأمير، ولقب مولى هو أكثر الألقاب وروداً في هذه النقوش.

* وردت الأسماء في نقوش طريق الحج الشامي مفردة وثنائية وثلاثية ورباعية وخماسية، وتضمنت أسماء وكنى ونسباً، وأكثر الأسماء الواردة في النقوش ثنائية وثلاثية.

* وردت أسماء أربع نساء فقط في نقوش طريق الحج الشامي المنشورة في هذه الأطروحة وعددها ثلاثمائة نقش.

* استخدمت الكنى في أسماء أصحاب النقوش أو أسماء آبائهم أو أجدادهم إذا كان الشخص أو أبوه أو جده مشهوراً بكنيته لا بأسمه، وجميع الكنى نسبتها للذكور من الأبناء والآباء باستثناء شخص واحد وردت كنيته منسوبة إلى ابنته، وهو (أبو مريم) الوارد في النقش رقم (3).

* اشتملت النسبة الواردة في النقوش على نسبة لقبيلة، كالعذرى والثقفي والطائي، ونسبة لبلد كالمديني والأيلي والشامي، ونسبة لأسرى كالزبيري والجعفري والعزيزي، ونسبة لجماعة كالأنصاري.

* وردت أسماء أربع مدن وبلدات في نقوش طريق الحج الشامي جميعها في بلاد الشام، وهي: بيت رأس، ودمشق، والرقة، وقنسرين.

* انحصرت الظواهر الإملائية في نقوش طريق الحج الشامي في: رسم الهمزة إذا وقعت في بداية الكلمة محققة في صورة ألف مستقيمة، وكتابتها على قياس تخفيفها في اللفظ إذا كانت متوسطة أو حذفها تماماً، ورسم الهمزة المتطرفة في صورة ألف مستقيمة، وعدم استخدام شكل رأس العين للدلالة على الهمزة، وتنفيذ تنوين النصب على شكل ألف لحقت آخر الكلمة، وكتابة كلمة مئة بصورة: (مائة) و(مئة)، وزيادة واو في طرف كلمة عمرو، وحذف همزة الوصل الممثلة بألف من كلمتي (ابن) و(ابنة) وإثباتها، وإدغام نون أن المصدرية في (لا) النافية وعدم إدغامها، وكتابة التاء المتطرفة المربوطة المتصلة تاء مفتوحة في بعض الكلمات، وكتابة الألف المتطرفة في أخر بعض الأسماء والأفعال ألفاً ممدودة بدلاً من مقصورة، وحذف المد بالألف من وسط الكلمة، وحذف المد بالواو من وسط الكلمة، وحذف الألف من (يا) النداء.

* غالبية نقوش طريق الحج الشامي كتبت بالخط الذي اصطلح على تسميته بالخط الكوفي البسيط الخالي من الزخرفة، ويمكن إطلاق مسمى الخط الحجازي على خطوط عدد محدود من هذه النقوش التي يعود تاريخها إلى بداية القرن الأول كنقش زهير المؤرخ بسنة 24هـ، كما توجد نقوش أخرى قليلة كتبت بخط كوفي مزخرف ومورق محتملة التأريخ بالقرنين الثالث والرابع للهجرة. غالبية نقوش طريق الحاج الشامي تتصف بتواضع مستوى خطوطها، وقليل منها يظهر عليه الإتقان والتجويد وجمال الخط.

* تلاحظ ظاهرة الجمع بين الحروف اللينة واليابسة في كتابة النقش الواحد في عدد كبير من نقوش طريق الحج الشامي، وخاصة المؤرخة بالقرن الأول الهجريو المحتملة التأريخ بذلك القرن.

* يتراوح عدد الأسطر في نقوش طريق الحج الشامي بين سطر واحد وعشرة أسطر وغالبية النقوش تتكون من سطرين.

* معظم نقوش طريق الحج الشامي أسطرها غير متساوية في الطول كما يختلف عدد الكلمات المنفذة في كل سطر، فبعضها احتوى كلمة واحدة وبعضها الآخر الآخر احتوى كلمتين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر، وقد تصل كلمات السطر الواحد إلى عشر كلمات.

* يلاحظ عدم انتظام بدايات الأسطر ونهاياتها في معظم نقوش طريق الحج الشامي، واختلاف حجم المسافات المحصورة بين كل سطر وآخر. وقد تتقارب الأسطر وتتداخل الحروف، ويتحكم في ذلك ظروف المكان المنفذ عليه النقش ومهارة المنفذ.

* نفذت الأسطر في بعض النقوش بشكل أفقى منتظم، وفي بعضها الآخر انعدمت هذه الخاصية فمال السطر إلى مستوى السطر الذي يليه.

* تختلف المساحات المنفذة عليها النقوش حسب ظروف المكان، فهناك نقوش كتبت على مساحة واسعة تصل إلى مترين طولاً ونصف المتر عرضاً، وقد تصغر المساحة المنفذ عليها النقش لتصل إلى أقل من ذلك بكثير.

* يتراوح طول الألفات واللامات في نقوش طريق الحج الشامي بين 4 مم و21سم.

* معظم نقوش طريق الحج الشامي محزورة حزاً سطحياً، ويتراوح عرض الحز في الحرف بين 0.5 سم و 3سم.

* معظم الصخور التي نفذت عليها نقوش طريق الحج الشامي من نوع الأحجار البازلتية التي تغطيها قشرة سطحية سوداء أو بنية داكنة، وقليل منها من نوع الأحجار الرملية.

* استخمت التجزئة الحرفية والمقطعية في نقوش طريق الحج الشامي في الأسماء والكلمات، ولم تسر على قاعدة ثابتة، وإنما وفقاً لظروف المساحة الصخرية المنفذ عليها النقش.

* استخدمت نقط الإعجام في عدد من نقوش طريق الحج الشامي (22 نقشاً) منها (18 نقشاً) يعود تاريخها إلى فترة القرن الأول الهجري، وقد ظهرت النقط على هذه النقوش بصورها الثلاثة: المفردة والثنائية والثلاثية، وجميعها أخذت شكلاً دائرياً مسدود الوسط.

* تضيف نقوش طريق الحج الشامي المؤرخة المنقوطة، نقشين على درجة كبيرة من الأهمية إلى قائمة النقوش المنقوطة المعروفة من قبل، وهما: نقش زهير المؤرخ بسنة 24هـ (النقش رقم 1)، ونقش عفير بن المضارب المؤرخ بسنة 83هـ (النقش رقم 4).

* وجود نقط إعجام على عدد من حروف نقش زهير المؤرخ بسنة 24هـ يشكل دليلاً أثرياً مادياً جديداً يدعم ما يرد في المصادر المكتوبة عن استخدام المسلمين لنقط الإعجام في الكتابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين، وتأتي أهمية هذا الدليل من كون نقش زهير أقدم نقش إسلامي مؤرخ، وثاني وثيقة كتابية مؤرخة ومنقوطة بعد بردية أهناسيا المؤرخة بسنة 22هـ، والتي تحمل نقط إعجام بدورها.

* تخلو جميع نقوش طريق الحج الشامي من نقط الإعراب (نقط الشكل) وهي بذلك لا تختلف عن بقية النقوش الإسلامية الصخرية التي وجدت في الأماكن الأخرى داخل المملكة وخارجها.

* انحصرت أهم الخصائص الزخرفية في نقوش طريق الحج الشامي في: المشق وهو مد بعض الحروف وإطالتها، والاستمداد البسيط، والاستمداد المقوس، والتعريض في هامات الألفات واللامات وأطراف الحروف، والتوريق، واستخدام زوائد متدلية في عراقات بعض الحروف.