الجمعة، 31 أكتوبر 2014

قصيدة "يا مُعزف الحب" للشاعر طاهر زمخشري

قصيدة "يا مُعزف الحب" كتبها الشاعر طاهر زمخشري في الفنان الكبير الأستاذ طلال مداح .. رحمهما الله جميعا

يا مُعزف الحب إن الروض مزدهر
               فطاب فيه لمن هاموا بك السـمر

طلال أنت وما في الأيك شـاديـة
               إلا وساجــلــــها في كفك الوتر

وكل جرح لما أعطيت من نغــــم
               عالجــته فمحا إيلامه الــقــــدر

فأنت قيثارة إن أرسـلــت نغـمـا
                في كل نافذة من وقــعــة اثـر

فكم شدوت بنار البعد فابـتـردت
                وكم لهيب الهوى بالرجع يستعـر

وأنت من نعم المولى ونـائـلهــا
               قد أنتشـى بنداه السمع والبـصر

فان تغيبت عنا خـــلــف غــائمة
               خلف السحائب كم قد غيب القمر

وعدت بالبسمة الجذلى تطوف بنا
             أحلـى روافدها مـن ثغرك الـغرر

وفي جوانــحها الأصداء سائــحة
             تثير فيـنا هـــوى قد كاد يــندثر

وفي الترقب أجفان مــقــرحــة
              داوى جراحاتـهـا ما شاعه الخبر

فقـد طـربـنا بصدق فـي روايتـه
             لما أهلت بنور الطلعـة الـصـورة

وكل خافقة فينا قد أنـــتعــشـت
          لما استراح إلى مجلى السنا النظر

يا مُعزف الحب أحلام الهوى رقصت
           أطيافها وهي للألحان تـنـتــظــر

اعد إليها الهوى إن النشيد بكـى
            وسوف يضحكه تـغـريدك الـعطر

فأنت أنت لمن يهـــــواك أغــنية
          تسري فيطرب من ترديدها البشر

الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

بقايا أمنية - الشاعر فاروق جويدة

مازال في قلبي بقايا .. أمنية
أن نلتقي يوماً ويجمعنا .. الربيع
أن تنتهي أحزاننا
أن تجمع الأقدار يوماً شملنا
فأنا ببعدك أختنق
لم يبقى في عمري سوى
أشباح ذكرى تحترق
أيامي الحائرة تذوب مع الليالي المسرعة
وتضيع أحلامي على درب السنين الضائعة
بالرغم من هذا أحبك مثلما كنا .. وأكثر
مازال في قلبي.... بقايا أمنية
أن يجمع الأحباب درب
تاه منا .. من سنين
القلب يا دنياي كم يشقى
وكم يشقى الحنين
يا دربنا الخالي لعلك تذكر أشواقنا
في ضوء القمر
قد جفت الأزهار فيك
وتبعثرت فوق أكف القدر ..
عصفورنا الحيران مات .. من السهر
قد ضاق بالأحزان بعدك .. فانتحر
بالرغم من هذا
أحبك مثلما كنا .. وأكثر
في كل يوم تكبر الأشواق في أعماقنا..
في كل يوم ننسج الأحلام من أحزاننا..
يوماَ ستجمعنا الليالي مثلما كنا ..
فأعود أنشد للهوى ألحاني
وعلى جبينك تنتهي أحزاني..
ونعود نذكر أمسيات ماضية
وأقول في عينيك أعذب أغنية
قطع الزمان رنينها فتوقفت
وغدت بقايا أمنية
أواه يا قلبي ..
بقايا أمنية

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

وكم صار عمر الضفائر - عبدالله الصيخان

( وكم صار عمر الضفائر )  -  عبدالله الصيخان

بعينيك كانت تذوب الحكايات..
يلهو المساء.. وتغفو البيادر
بعينيك كانت تغرد أحلام شبابنا
وكانت تغني الربابة ميلاد شاعر
بعينيك كنتِ عند الإياب بــ (مريولك) المدرسي الطويل
تنادينني
لأحمل منك الدفاتر
وكنا نهاجر
في الدرب كنا نهاجر
طفلين ما ضمنا واقع
لنرسم من حلمنا والخيال تصاوير حاضر
متى عرسنا؟
كان مني السؤال
ويأتيني منك الجواب
غداً...
حين تكبر هذي الضفائر

* * *

اقول وقد ضمك عن عيوني الخمار
واصبح قصرك
تحميه هذي العساكر
وأصبحت تهوين جمع القلوب
وتهوين جمع الجواهر
وأصبحت سوقاً لعرض المشاعر :
أيا زينة الحي
أين الضفائر
وكم صار عمر الضفائر؟
عرفت أخيراً
مقصُ الوصيفة -عجلىً- طواها
فأضحت ترانيم شاعر .

ديوان [ الغناء على أبواب تيماء ] .

الأحد، 26 أكتوبر 2014

المواقع الأثرية بمحافظة الوجه

( المواقع الأثرية بمنطقة الوجه )  د. علي إبراهيم غبان

تقع منطقة الوجه ضمن ما يعرف عند الباحثين باسم أرض مدين، وقد كانت في عصور ما قبل الإسلام جزءا من أراضي الدولة النبطية. ثم سكنتها منذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا قبيلة بَلِيّ القضاعية. وقد أدى استمرار الاستيطان البشري في هذه المنطقة إلى وجود عدد كبير من المواقع الأثرية فيها: بعضها من عصور ما قبل التاريخ وأكثرها من العصور التاريخية السابقة للإسلام والإسلامية.
فبالنسبة لمواقع ما قبل التاريخ فإن ما سجل منها في المنطقة الواقعة بين وادي الحمض جنوبا، ووادي عنتر شمالا، وواحة بدا شرقا يزيد عن الثمانية مواقع، معظمها عبارة عن منشآت دائرية منعزلة أو  في مجموعات عنقودية، وبعضها يأخذ شكلا مستطيلا أو مثلثا، إلا أنه لم يعثر في أغلبها على قطع أثرية أو أدوات حجرية يسهل تأريخها. ومن هذه المواقع موقعان في وادي المياه وموقعان قرب وادي زاعم وأربعة أخرى على الطريق المؤدية إلى [قرية] أبي القزاز .
أما المواقع الأثرية التي ترجع إلى عصور تاريخية سابقة للإسلام فهي نوعان : مواقع نقوش ورسوم صخرية ومواقع استيطان محدود بها منشآت بنائية. وأشهر مواقع النوع الأول الموقع الذي يوجد في منطقة الزريب، فهو يضم عشرات النقوش الصخرية بالخط الذي يطلق عليه اسم الخط الثمودي، تجاورها في غالب الأحيان رسوم تجريدية بسيطة وصغيرة الحجم لجمال أو أشخاص في أوضاع مختلفة. ومن النقوش الثمودية حول الوجه أيضا : موقع البير، ويوجد فيه أربعة نقوش ثمودية على الصخور القريبة من بئر المرحوم الشيخ مصطفى بديوي. كذلك توجد نقوش ثمودية في وادي كبرة وفي وادي العرجا وفي واحة بدا .
أما مواقع النوع الثاني فإن أهمها على الإطلاق موقعي القصير وكركمة. ويقع موقع القصير على بعد 45 كم جنوب مدينة الوجه قرب مصب وادي الحمض. وهو عبارة عن بقايا معبد نبطي الطراز بني من حجر المرو المشذب، ويظهر منه من بين الرمال كرانيش تزين مداميك الجدران، وبقايا أعمدة بديعة الصنع. وينتشر حول هذا الأثر المتهدم كثير من قطع الفخار الروماني والنبطي. وأما موقع كركمة فهو عبارة عن مرسى قديم وبقايا ميناء يرجع إلى عصر الأنباط، واعتقد أن هذا الميناء هو ميناء أكرا الذي تحدثت عنه المصادر الكلاسيكية في احداث القرن الأول قبل الميلاد. ويمكن أن يضاف إلى موقعي القصير وكركمة بعض مواقع الاستيطان التعديني المنتشرة في الأودية الواقعة شرق مدينة الوجه، والتي ربما يرجع بعضها إلى عصور سابقة للإسلام، حيث أن هذه المواقع لم تفحص جميعها فحصا دقيقا لتأكيد هويتها. أما فيما يتعلق بمرسى الوجه فليست لدينا أية دلائل أو بقايا أثرية من التلال الرسوبية المطلة عليه ترجع إلى عصور تاريخية أبعد من العصر العثماني، إلا أننا لا نستبعد وجود آثار قديمة سابقة للإسلام أو إسلامية مبكرة في منطقته تحت مباني بلدة الوجه القديمة، التي بنيت على أنسب المواقع الصالحة للتعمير حول هذا المرسى، والجدير بالذكر هنا أن أول من قال بهذا الاستنتاج هو الرحالة الانجليزي برتون الذي زار الوجه عام 1295هـ/ 1878م. وقد ظن عدد من الباحثين أن ميناء الوجه يمكن أن يكون ميناء أكرا (Egra) الوارد في جغرافية سترابون، عند الحديث عن عودة جنود القائد الروماني إيليوس غالوس إلى مصر بعد فشل حملته العسكرية التي قام بها عام 25/24 قبل الميلاد إلى الجزيرة العربية، وعللوا ذلك بأن الوجه كانت فرضة على البحر لمدينة الحجر الواقعة في وادي القرى، وأنها كانت تحمل اسمها. وعلى أية حال فقد أثبتت أبحاثي الأخيرة في المنطقة أن موقع أكرا النبطي يقع في مرسى كركمة وليس الوجه.
وأما بالنسبة للمواقع الأثرية التي ترجع إلى الفترة الإسلامية في منطقة الوجه فإنها أكثر عددا مما سبق ذكره ويمكن حصر أهمها فيما يلي، مبتدئين بذكر المواقع التي تقع إلى الجنوب من مدينة الوجه ثم التي تقع في شمالها ثم التي تقع إلى الشرق منها :

* آثار أكرى واليعبوب : وموقع أكرى يختلف عن ميناء أكرا النبطي الذي سبقت الإشارة إليه، فهو محطة على طريق الحج المصري، تقع بعيدا عن البحر على أحد روافد وادي الحمض، وتوجد بها بقايا بركة بنيت على طريق الحج في العصر العثماني، وقد كانت أكرى أولى محطات الطريق بعد الوجه في إتجاه السائر إلى مكة. أما اليعبوب فهو اسم مكان يقع قريبا من البحر بالقرب من مركز كركمة، ويرد ذكر اليعبوب في المصادر ابتداء من العصر المملوكي، وكانت به أحساء ماء تنزل عليها قافلة الحجاج. وقد اندثرت اليوم كل هذه الأحساء إلا أنه يمكن التعرف على موضع المنزلة حيث يوجد بها مجموعة من القبور القديمة .

* آثار مرسى الوجه : وهي في مجموعها عبارة عن المباني التي أنشئت في بلدة الوجه القديمة، ويرجع معظمها إلى القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر الهجري( 20/19م ). وهذه المباني مبنية من الحجر الجيري على طراز عمارة حوض البحر الأحمر. وأهم المباني التاريخية في الوجه القديمة ما يلي : مسجد الأشراف، ومسجد البوق، ومسجد البديوي، والزاوية السنوسية، والسوق القديم، وما تبقى من وكالاته، والقلعة التركية، وباب البحر، وجزء من سور مدينة الوجه القديم، وبيت قائم مقام الوجه (دار الإمارة القديم)، وثلاثة صهاريج، وموقع قلعة بلاش، وأرصفة الميناء القديم، وفنار الوجه، بالإضافة إلى عدد من الدور والمساكن القديمة في حي الساحل وحي القرفاء .

* آثار وادي زاعم : ووادي زاعم يقطع على بعد 7 كم شمال الوجه، وفي أعلاه توجد بئر مطوية بالحجار تنسب للشريف هزاع العبدلي أحد المسؤولين إبان حكم الأشراف للمنطقة، كذلك توجد في منطقة زاعم وقبقاب بئران من العصر المملوكي، حفرهما الأمير شاهين الطويل سنة 834 هـ/1431م. وتوجد أيضا في الرس القريب من زاعم بقايا بناء مكون من ساحة وغرفتين .

* آثار وادي عنتر : ويقع هذا الوادي على بعد 45 كم شمال الوجه، ويمر به الطريق المعبد المؤدي إلى ضباء، وبه آثار لطريق الحج يرجع تاريخها إلى العصر العثماني، وتتكون هذه الآثار من بركتين وأربع آبار جميعها مبنية بالحجر الجيري. وعلى البحر عند مصب وادي عنتر يوجد موقع العويند وبه قرية أثرية صغيرة مسورة مساحتها 200 × 100م ، ترتفع أطلالها نحو 2م عن سطح الأرض المحيطة بها، وتدل الملتقطات السطحية المنتشرة عليها من فخار وحجر صابوني وزجاج وخرز على أنها ترجع إلى العصرين العباسي والفاطمي. وقد كانت العويند فرضة وميناء لوادي القرى، وربما وجدت آثار سابقة للإسلام تحت آثار الموقع الإسلامي، ويرى الدكتور عبدالرحمن الأنصاري أن اسم العويند اسم قديم يرجع إلى عصور سابقة للإسلام، وأنه يمكن أن تكون مكونا من الكلمتين ( عون - ود ) : عون مصدر للفعل أعان وود اسم الصنم المعروف الذي ورد ذكره في القرآن الكريم .

* آثار واحة بدا : وتقع واحة بدا على بعد 70 كم شرقي مدينة الوجه، وقد كانت في الخمسة قرون الهجرية الأولى محطة على طريق الحج المصري الداخلي، وبها بركة قديمة وآثار قنوات تمتد من عين بالواحة إلى البركة، ويجاور ذلك موقع أثري لقرية صغيرة تدل ظواهره السطحية على أنه يرجع إلى الفترة الأموية والعباسية، وبالقرب من الموقع يوجد جبل شهيبة بدا الشمالية، وعلى صخورة عثرنا على ما يزيد على ثلاثمائة نقش كوفي مبكر نقشها الحجاج الذين كانوا يمرون بهذه الواحة وهم في الطريق إلى المدينة .

* مواقع التعدين في أم قريات ووادي المياه ووادي العرجا وأعلى وادي عنتر، ويزيد عددها على اثنى عشر موقعا : بعضها بنيت بقربه مستوطنة صغيرة والبعض الآخر عبارة عن مناجم، ومعظمها كان يستخرج منه الذهب .

* آثار وادي الزريب وتشمل خمسة مواقع أثرية هي :
- مستوطنة حويطات التعدينية.
- مستوطنة المتقابل التعدينية.
- ثميلة الزريب والكتابات الكوفية المنقوشة على الصخور المجاورة لها.
- قلعة الزريب والبرك والآبار المحيطة بها .
- آبار وادي سِبَيّل .

ويبلغ عدد الآبار القديمة في وادي الزريب سبع عشرة بئرا منها ست عشرة بئرا سلطانية، ونعني بذلك البئر التي حفرت وطويت على نفقة السلطنة المملوكية أو السلطنة العثمانية أو في عهد حكمها للمنطقة. أما البئر السابعة عشرة فقد حفرت في بداية العهد السعودي .

مصدر البحث :
كتاب [ بحوث في التاريخ والآثار ] ص 20 إلى ص 28 .
تأليف الدكتور /  علي إبراهيم غبان .

السبت، 25 أكتوبر 2014

قرية بدا .. " علاقة بدا بيعقوب النبي عليه السلام"

هذا البحث عن قرية ( بدا ) التابعة لمحافظة الوجه . تبوك

" علاقة بدا بيعقوب النبي عليه السلام "

بقلم / د.حياة عبدالله الكلابي

ورد اسم بدا في بعض المصادر الجغرافية مضافا إلى اسم يعقوب، وأول من ذكرها بمسمى بدا يعقوب من الجغرافيين الذين اطلعنا على كتبهم، المقدسي (ت 380 هـ)، وقد وردت عنده بهذا الاسم في أربعة مواضع من كتابه ( أحسن التقاسيم )، لم يتحدث في أي منها عن هوية يعقوب الذي نسب إليه بدا، وبعد المقدسي ذكرت بدا بمسمى بدا يعقوب عند البكري في كتابه ( الممالك والمسالك ) دون أن يوضح هو أيضا هوية يعقوب، وأما ياقوت الحموي فقد ذكر اسم بدا يعقوب في موضعين من معجمه، أشار في أحدهما إلى أنها قرية يعقوب النبي عليه السلام، ومنها سار إلى ابنه يوسف عليه السلام في مصر .
كما وردت بدا منسوبة إلى يعقوب عليه السلام عند  القزويني الذي قال في معرض حديثه عن بدا : ( وهي قرية يعقوب عليه السلام، كان بها مسكنه في أيام فراق يوسف عليه السلام، ويقال لهذه القرية بيت الأحزان لأن يعقوب كان بها حزينا مدة طويلة، منها سار إلى مصر، إلى يوسف عليه السلام، فجاءت الفرنج في زمن صلاح الدين يوسف بن أيوب عمروها وجعلوا لها حصنا حصينا، قال بعض الشعراء :
هلاك فرنج أتى عاجلا
              وقد آن تكسير صلبانها

ولو لم يكن حينها قد أتى
              لما عمرت بيت أحزانها

وكان الأمر كما قال الشاعر، قصدها الملك صلاح الدين وفتحها وخربها وكسر صلبانها ). انتهى

ويبدو بناء على ما تقدم أن اسم بدا يعقوب ظهر في نهاية القرن الرابع الهجري ( العاشر الميلادي ) حيث  لم نجده في كتابات الجغرافيين المسلمين الذين سبقوا المقدسي وعاشوا في القرن الثالث، والنصف الأول من القرن الرابع الهجري، كالهمداني، والحربي، واليعقوبي، ابن خرداذبه، وابن رستة، وقدامة، والاصخري، وابن حوقل، وجميعهم ذكروا اسم بدا مفردا دون إضافة إلى يعقوب، ويلاحظ أن المقدسي والبكري كليهما لم يحددا شخصية يعقوب الذي نسبا إليه بدا، وأن ياقوت الحموي الذي توفي في بداية القرن السابع الهجري هو أول من قرنها بيعقوب النبي عليه السلام، وعنه نقل القزويني الذي توفي في نهاية القرن السابع. وربما كان يعقوب الذي ذكره المقدسي شخصية محلية لعبت دورا مهما في بدا في نهاية القرن الرابع الهجري ونسبت إليها البلدة، ونسبة بلدة إلى شحصية محلية لها أمثلة كثيرة من تلك الفترة، نذكر منها حلي بن يعقوب الواقعة قرب السرين، ومعدن القرشي الواقع على درب زبيدة (النقرة). والقول بأن يعقوب الذي نسبت إليه بدا هو يعقوب النبي عليه السلام يحتمل أن يكون إضافة أضافها ياقوت الحموي في محاولة منه لتحديد هوية يعقوب بدا، وربما اعتمد على أن بعض الجغرافيين يجعل بدا موضعا قرب الشام، وأن اسم يعقوب إذا أطلق دون تحديد انصرف إلى يعقوب النبي عليه السلام، والمشهور أن يعقوب عليه السلام كان يسكن بأرض كنعان أي أرض فلسطين، وكان له مذبح في بيت إيل، وهي قرية تقع على بعد 3 كيلو مترات من رام الله، وعلى بعد 17 كيلو مترا إلى الشمال من القدس، وتعرف اليوم باسم "بيتين"، ونصت على ذلك التوراة في سفر التكوين والدراسات التي تناولت جغرافية فلسطين وآثارها.
وأما قول القزويني بأن بدا يقال لها بيت الأحزان لأن يعقوب كان بها حزينا مدة طويلة، وأن الفرنج عمروها زمن صلاح الدين وجعلوا لها حصنا، وأن صلاح الدين فتحها وخربها فهو غير صحيح، فقوله لا ينطبق على بدا، لأن بيت الأحزان التي أشار إليها القزويني هي قرية "بيتين" التي ذكرنها أعلاه، فقد أشار إلي قصتها أبو شامة المقدسي الشافعي في كتابه ( الروضتين في أخبار الدولتين ) وذكر أن الفرنج عمروا حصنا في بيت الأحزان على المشهد اليعقوبي في سنة أربعة وسبعين وخمسمائة، وأن صلاح الدين فتح هذا الحصن وخربه ونقض بناءه، وأن الشعراء هنأوا السلطان بفتح هذا الحصن ومن ذلك ما أنشده نشو الدولة أحمد بن نقادة الدمشقي من جملة مدائحه :

هلاك الفرنج أتى عاجلا
             وقد آن تكسير صلبانها

ولو لم يكن قد دنا حتفها
             لما عمرت بيت أحزانها

وهذين البيتين وردا في نص القزويني، مما يدل على أن القزويني خلط بين بيت الأحزان التي فتحها صلاح الدين وبين بدا، لاعتقاده بأن بدا كانت سكنا ليعقوب عليه السلام.
بقي أن نشير إلى أن معظم المصادر التي كتبت بعد القرن السابع الهجري ذكرت اسم بدا مجردا من الإضافة إلى يعقوب، وذلك مثل ابن منظور (ت711 هـ)، والمقريزي (ت 845 هـ)، والسمهودي (ت911 هـ)، والجزيري (ت 976 هـ)، ويستثنى من ذلك القلقشندي (ت821 هـ)، الذي سمها بدا يعقوب نقلا عن مصادر قديمة وذكر أنه لا يعلم حقيقة مكانها .

مصدر البحث :
كتاب [ الآثار الإسلامية ببلدة بدا ] ص 39 ، 40 .
تأليف د. حياة عبدالله الكلابي .

قصور منطقة شواق وشغب .. محافظة ضباء

"قصور منطقة شواق وشغب"   -   د. علي إبراهيم غبان

تقع شغب على بعد 45 كم إلى الشرق من مدينة ضباء ، وإلى الشرق منها تقع شواق على بعد 10 كيلو مترات. وشواق وشغب من الواحات الزراعية القديمة بالمنطقة، حيث تتوافر بهما عيون المياه العذبة، ومساحات الأراضي الزراعية الخصبة، على جنبات وادي شواق ووادي شغب ووادي أدامى (داما) القريب من شغب.
وشواق يرد ذكرها في بعض المصادر الكلاسيكية التي تحدثت عن المنطقة في القرن الأول قبل الميلاد ، كما توجد بشواق وشغب آثار استيطان قديمة ترجع إلى تلك الفترة. وفي صدر الإسلام كانت بهما أملاك زراعية لبعض الصحابة والتابعين، فقد روي أن رسول الله ﷺ كتب لحرام بن عوف من بني سليم أنه أعطاه أداما وما كان له من شواق. وَوُرود اسم أداما وشواق مجتمعين في هذه الرواية يجعلنا نعتقد بأنهما هما الموضعان اللذان نتحدث عنهما، وكان رسول الله يُقطع بعض أصحابه في غير ديارهم، كما رُُوِي أن رسول الله أعطى الزبير بن العوام شََواَقَ أعلاه وأسفله. وكانت بشغب ضيعة زراعية لبني مروان بن الحكم الأموي، أقطعوها لمحدث المدينة محمد بن شهاب الزهري. فقد عاش بها الزهري آخر أيامه، وغرس بها نخلا ، ومات بها سنة 124 هـ، بها قبره. وإلى شغب يُنسب مولى الزهري زكريا بن عيسى الشغبي الذي روى نسخه عن الزهري عن نافع.
وتوجد بشغب وشواق وما حولهما آثار لهذا النشاط الزراعي الذي يرجع إلى الفترة الإسلامية المبكرة، وتتكون هذه الآثار من بقايا القنوات ومجاري العيون، وحواويط المزارع، وبعض البرك والسدود. كما يمكن تمييز قصرين في المنطقة أحدهما في شواق والآخر بناحية شغب على عين النابع.

●- قـصـر شــواق :
يوجد قصر شواق على الضفة الجنوبية لوادي شواق في مكان يسمى الحواويط، وهو قصر مبني باللبن، وبه صالة استقبال مبنية بالآجر على نمط القصور الموجودة في المندَسَّة، وفي وادي الجزل. وقد أزيلت معظم آثار هذا القصر، وبقيت منه جدر بسيطة تعجز عن إعطاء صورة واضحة لمخططه، وبقربه توجد آثار قناة مبنية، تأتي بالماء من عين شواق إلى القصر، وإلى بركة كبيرة مقامة إلى جواره، كما توجد بجوار القصر أرض زراعية مقسمة إلى مساحات كبيرة، يطلق عليها سكان المكان اسم الحواويط، لأنها محاطة بالأحجار . وهذه الحواويط تمثل آثار المزارع القديمة التي كانت حول القصر. وقد قمنا بالتقاط بعض الكسر الفخارية التي ترجع إلى الفترة الإسلامية المبكرة من هذا المكان.

●- قـصـر شـغـب (النابع) :
يوجد هذا القصر في مكان يسمى النابع على عين مازالت تبعث ببعض مائها، ويقع النابع بوادي داما على بضعة كيلو مترات من شغب. وبهذا المكان من منطقة شغب كانت توجد ضيعة الإمام الزهري، حيث تشير بعض المصادر إلى أن قبره على الطريق بضيعته التي بشغب عند وادي أدامى، وهو ما ينطبق على هذا المكان الذي يمر به طريق الحج المصري الداخلي. ويؤكد ذلك وجود موقع أثري عند هذه العين، وآثار قرية كبيرة وحواويط مزارع قديمة تمتد لمسافات كبيرة حول العين، وتنتشر عليها كسر الفخار الإسلامي المبكر .
وبجانب موقع هذه القرية توجد أطلال لمبنى منفرد قد يكون قصرا أو منشأة من منشآت الطريق، وترتفع هذه الأطلال إلى أكثر من متر عن مستوى سطح الأرض. وجدران هذا المبنى عريضة ومبنية بالحجر واللبن. وآثاره تشبه بقايا القصور والمساكن الصحراوية التي سبقت الإشارة إليها، وعلى مقربة منه توجد حواويط المزارع القديمة.
وآثار هذه القصور الصحراوية التي عرضناها في هذا الفصل تؤكد ازدهار الحياة الاقتصادية، وتوسع الاستثمار الزراعي في المنطقة خلال القرنين الهجريين الأول والثاني، وتوضح حرص أعيان المنطقة على العيش في مستوى الرفاهية الموجود بحواضر الإسلام الغنية في الشام والعراق. كما أن عمارة هذه القصور تكشف عن رقي الذوق الفني لدى سكان المنطقة، حيث نلحظ فيها إبداعا في بناء العناصر المعمارية، وتفننا في زخرفتها. ومن جانب آخر يلاحظ التشابه في تخطيط هذه القصور، فقد نفذت جميعها بتصميم موحد يقوم على وجود مجموعة من الحجرات والمرافق، تتوزع على جدران أربعة، وتحيط بفناء واسع يتوسط البناء . وهذا التصميم يُعد إمتدادا لتخطيط القصر العربي القديم الذي كان منتشرا في الجزيرة العربية قبل الإسلام، مع اختلاف في التفاصيل، واستخدام عناصر معمارية ضخمة، ومواد خام راقية، وإضفاء بعض اللمسات الفنية الزخرفية على البناء. وبعبارة أخرى يعكس تخطيط هذه القصور التصميم النمطي لطراز القصر العربي القديم مع بعض التأثيرات المعمارية القادمة من الشام والعراق.

- ويمكن حصر الظواهر المعمارية التي تلاحظ على عمارة هذه القصور فيما يلي :

* الاهتمام باختيار الموقع المناسب لبناء القصر.
* استخدام أفضل المواد الإنشائية.
* الاستفادة من المواد الخام المحلية، فنلاحظ استخدام الأحجار في الأماكن القريبة من الجبال واستخدام اللبن والآجر في الأماكن التي يتوافر فيها الطين.
* توظيف أفضل الخبرات الفنية في بناء هذه القصور.
* الاهتمام بمتانة البناء وضخامته، وزيادة ارتفاع الجدران.
* تفضيل الشكل المربع في المسقط العام للقصر.
* استخدام الأبراج والدعامات على الأسوار الخارجية، وهي سمة أساسية من سمات النمط العربي للقصر.
* تعدد المداخل في بعض القصور.
* بناء دكات على جانبي دهليز المدخل.
* كبر حجم الفناء الداخلي.
* قلة عمق المشآت الجانبية المقامة على الفناء .
* تماثل تصميم الحجرات والوحدات السكنية المقامة حول الفناء .
* الاهتمام بقاعة القصر وإفرادها بعمارة مميزة .
* احتمال وجود أكثر من قاعة استقبال واحدة في بعض القصور.
* إستخدام الأعمدة المبنية من الآجر .
* استخدام الأقواس نصف الدائرية، وكانت شائعة الاستخدام في الحجاز خلال العصر الأموي .
* استخدام المثلثات الركنية وتوظيفها في أغراض التسقيف.
* استخدام القبة في تسقيف قاعات القصور.
* استخدام الحنايا المحرابية، لتزيين واجهات قاعات الاستقبال المطلة على الفناء الداخلي، وهو أسلوب معماري ظهر في القصور الأموية ببادية الشام وفي قصر الأخيضر .
* استخدام الجصّ في تلييس الجدران من الداخل والخارج .
* استخدام الجصّ على نطاق ضيق كمونة للبناء مع الآجر .
* التفنن في صف الآجر للحصول على أشكال هندسية متنوعة .

وتجدر الإشارة إلى أن الأطلال الباقية لهذه القصور تخلو من رسوم ذوات الأرواح، ومن الرسوم النباتية والهندسية والكتابية المرسومة على الجصّ، وهي رسوم زُيّنت بها جدران القاعات في قصور العصر الأموي والعصر العباسي الباقية خارج الجزيرة العربية. وغياب هذه الرسوم لا ينفي احتمال استخدامها في قصور المنطقة، فقد سقطت معظم طبقات اللياسة الجصية التي كانت تغطي جدران هذه القصور، ويبقى التنقيب سبيلا وحيدا لتوضيح هذه النقطة، كما لا تتوافر لدي معلومات محددة عن طريقة تبليط الأرضيات بهذه القصور، بسبب عدم قيامي بتنقيبات أو مجسات فيها. فقد تكون هذه الأرضيات مبلطة بالطين، أو الجصّ ، أو بهما معا، وقد تكون مبلطة ببلاطات الآجري، كما أنني لا أستبعد وجود أرضيات فسيفسائية في بعضها. وجميع هذه الأساليب، باستثناء الفسيفساء ، عثرت على أمثلة لها في المجسات الأثرية التي أجريتها في بعض المواقع الأثرية بالمنطقة، والتي تعود إلى تلك الفترة، مثل مدين، والحوراء ، والجار .

مصدر البحث :
كتاب [ الآثار الإسلامية في شمال غرب المملكة ] ص 98 إلى ص 104.
تأليف الدكتور علي إبراهيم غبان .