هذا البحث عن قرية ( بدا ) التابعة لمحافظة الوجه . تبوك
" علاقة بدا بيعقوب النبي عليه السلام "
بقلم / د.حياة عبدالله الكلابي
ورد اسم بدا في بعض المصادر الجغرافية مضافا إلى اسم يعقوب، وأول من ذكرها بمسمى بدا يعقوب من الجغرافيين الذين اطلعنا على كتبهم، المقدسي (ت 380 هـ)، وقد وردت عنده بهذا الاسم في أربعة مواضع من كتابه ( أحسن التقاسيم )، لم يتحدث في أي منها عن هوية يعقوب الذي نسب إليه بدا، وبعد المقدسي ذكرت بدا بمسمى بدا يعقوب عند البكري في كتابه ( الممالك والمسالك ) دون أن يوضح هو أيضا هوية يعقوب، وأما ياقوت الحموي فقد ذكر اسم بدا يعقوب في موضعين من معجمه، أشار في أحدهما إلى أنها قرية يعقوب النبي عليه السلام، ومنها سار إلى ابنه يوسف عليه السلام في مصر .
كما وردت بدا منسوبة إلى يعقوب عليه السلام عند القزويني الذي قال في معرض حديثه عن بدا : ( وهي قرية يعقوب عليه السلام، كان بها مسكنه في أيام فراق يوسف عليه السلام، ويقال لهذه القرية بيت الأحزان لأن يعقوب كان بها حزينا مدة طويلة، منها سار إلى مصر، إلى يوسف عليه السلام، فجاءت الفرنج في زمن صلاح الدين يوسف بن أيوب عمروها وجعلوا لها حصنا حصينا، قال بعض الشعراء :
هلاك فرنج أتى عاجلا
وقد آن تكسير صلبانها
ولو لم يكن حينها قد أتى
لما عمرت بيت أحزانها
وكان الأمر كما قال الشاعر، قصدها الملك صلاح الدين وفتحها وخربها وكسر صلبانها ). انتهى
ويبدو بناء على ما تقدم أن اسم بدا يعقوب ظهر في نهاية القرن الرابع الهجري ( العاشر الميلادي ) حيث لم نجده في كتابات الجغرافيين المسلمين الذين سبقوا المقدسي وعاشوا في القرن الثالث، والنصف الأول من القرن الرابع الهجري، كالهمداني، والحربي، واليعقوبي، ابن خرداذبه، وابن رستة، وقدامة، والاصخري، وابن حوقل، وجميعهم ذكروا اسم بدا مفردا دون إضافة إلى يعقوب، ويلاحظ أن المقدسي والبكري كليهما لم يحددا شخصية يعقوب الذي نسبا إليه بدا، وأن ياقوت الحموي الذي توفي في بداية القرن السابع الهجري هو أول من قرنها بيعقوب النبي عليه السلام، وعنه نقل القزويني الذي توفي في نهاية القرن السابع. وربما كان يعقوب الذي ذكره المقدسي شخصية محلية لعبت دورا مهما في بدا في نهاية القرن الرابع الهجري ونسبت إليها البلدة، ونسبة بلدة إلى شحصية محلية لها أمثلة كثيرة من تلك الفترة، نذكر منها حلي بن يعقوب الواقعة قرب السرين، ومعدن القرشي الواقع على درب زبيدة (النقرة). والقول بأن يعقوب الذي نسبت إليه بدا هو يعقوب النبي عليه السلام يحتمل أن يكون إضافة أضافها ياقوت الحموي في محاولة منه لتحديد هوية يعقوب بدا، وربما اعتمد على أن بعض الجغرافيين يجعل بدا موضعا قرب الشام، وأن اسم يعقوب إذا أطلق دون تحديد انصرف إلى يعقوب النبي عليه السلام، والمشهور أن يعقوب عليه السلام كان يسكن بأرض كنعان أي أرض فلسطين، وكان له مذبح في بيت إيل، وهي قرية تقع على بعد 3 كيلو مترات من رام الله، وعلى بعد 17 كيلو مترا إلى الشمال من القدس، وتعرف اليوم باسم "بيتين"، ونصت على ذلك التوراة في سفر التكوين والدراسات التي تناولت جغرافية فلسطين وآثارها.
وأما قول القزويني بأن بدا يقال لها بيت الأحزان لأن يعقوب كان بها حزينا مدة طويلة، وأن الفرنج عمروها زمن صلاح الدين وجعلوا لها حصنا، وأن صلاح الدين فتحها وخربها فهو غير صحيح، فقوله لا ينطبق على بدا، لأن بيت الأحزان التي أشار إليها القزويني هي قرية "بيتين" التي ذكرنها أعلاه، فقد أشار إلي قصتها أبو شامة المقدسي الشافعي في كتابه ( الروضتين في أخبار الدولتين ) وذكر أن الفرنج عمروا حصنا في بيت الأحزان على المشهد اليعقوبي في سنة أربعة وسبعين وخمسمائة، وأن صلاح الدين فتح هذا الحصن وخربه ونقض بناءه، وأن الشعراء هنأوا السلطان بفتح هذا الحصن ومن ذلك ما أنشده نشو الدولة أحمد بن نقادة الدمشقي من جملة مدائحه :
هلاك الفرنج أتى عاجلا
وقد آن تكسير صلبانها
ولو لم يكن قد دنا حتفها
لما عمرت بيت أحزانها
وهذين البيتين وردا في نص القزويني، مما يدل على أن القزويني خلط بين بيت الأحزان التي فتحها صلاح الدين وبين بدا، لاعتقاده بأن بدا كانت سكنا ليعقوب عليه السلام.
بقي أن نشير إلى أن معظم المصادر التي كتبت بعد القرن السابع الهجري ذكرت اسم بدا مجردا من الإضافة إلى يعقوب، وذلك مثل ابن منظور (ت711 هـ)، والمقريزي (ت 845 هـ)، والسمهودي (ت911 هـ)، والجزيري (ت 976 هـ)، ويستثنى من ذلك القلقشندي (ت821 هـ)، الذي سمها بدا يعقوب نقلا عن مصادر قديمة وذكر أنه لا يعلم حقيقة مكانها .
مصدر البحث :
كتاب [ الآثار الإسلامية ببلدة بدا ] ص 39 ، 40 .
تأليف د. حياة عبدالله الكلابي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق