السبت، 25 أكتوبر 2014

قصور منطقة شواق وشغب .. محافظة ضباء

"قصور منطقة شواق وشغب"   -   د. علي إبراهيم غبان

تقع شغب على بعد 45 كم إلى الشرق من مدينة ضباء ، وإلى الشرق منها تقع شواق على بعد 10 كيلو مترات. وشواق وشغب من الواحات الزراعية القديمة بالمنطقة، حيث تتوافر بهما عيون المياه العذبة، ومساحات الأراضي الزراعية الخصبة، على جنبات وادي شواق ووادي شغب ووادي أدامى (داما) القريب من شغب.
وشواق يرد ذكرها في بعض المصادر الكلاسيكية التي تحدثت عن المنطقة في القرن الأول قبل الميلاد ، كما توجد بشواق وشغب آثار استيطان قديمة ترجع إلى تلك الفترة. وفي صدر الإسلام كانت بهما أملاك زراعية لبعض الصحابة والتابعين، فقد روي أن رسول الله ﷺ كتب لحرام بن عوف من بني سليم أنه أعطاه أداما وما كان له من شواق. وَوُرود اسم أداما وشواق مجتمعين في هذه الرواية يجعلنا نعتقد بأنهما هما الموضعان اللذان نتحدث عنهما، وكان رسول الله يُقطع بعض أصحابه في غير ديارهم، كما رُُوِي أن رسول الله أعطى الزبير بن العوام شََواَقَ أعلاه وأسفله. وكانت بشغب ضيعة زراعية لبني مروان بن الحكم الأموي، أقطعوها لمحدث المدينة محمد بن شهاب الزهري. فقد عاش بها الزهري آخر أيامه، وغرس بها نخلا ، ومات بها سنة 124 هـ، بها قبره. وإلى شغب يُنسب مولى الزهري زكريا بن عيسى الشغبي الذي روى نسخه عن الزهري عن نافع.
وتوجد بشغب وشواق وما حولهما آثار لهذا النشاط الزراعي الذي يرجع إلى الفترة الإسلامية المبكرة، وتتكون هذه الآثار من بقايا القنوات ومجاري العيون، وحواويط المزارع، وبعض البرك والسدود. كما يمكن تمييز قصرين في المنطقة أحدهما في شواق والآخر بناحية شغب على عين النابع.

●- قـصـر شــواق :
يوجد قصر شواق على الضفة الجنوبية لوادي شواق في مكان يسمى الحواويط، وهو قصر مبني باللبن، وبه صالة استقبال مبنية بالآجر على نمط القصور الموجودة في المندَسَّة، وفي وادي الجزل. وقد أزيلت معظم آثار هذا القصر، وبقيت منه جدر بسيطة تعجز عن إعطاء صورة واضحة لمخططه، وبقربه توجد آثار قناة مبنية، تأتي بالماء من عين شواق إلى القصر، وإلى بركة كبيرة مقامة إلى جواره، كما توجد بجوار القصر أرض زراعية مقسمة إلى مساحات كبيرة، يطلق عليها سكان المكان اسم الحواويط، لأنها محاطة بالأحجار . وهذه الحواويط تمثل آثار المزارع القديمة التي كانت حول القصر. وقد قمنا بالتقاط بعض الكسر الفخارية التي ترجع إلى الفترة الإسلامية المبكرة من هذا المكان.

●- قـصـر شـغـب (النابع) :
يوجد هذا القصر في مكان يسمى النابع على عين مازالت تبعث ببعض مائها، ويقع النابع بوادي داما على بضعة كيلو مترات من شغب. وبهذا المكان من منطقة شغب كانت توجد ضيعة الإمام الزهري، حيث تشير بعض المصادر إلى أن قبره على الطريق بضيعته التي بشغب عند وادي أدامى، وهو ما ينطبق على هذا المكان الذي يمر به طريق الحج المصري الداخلي. ويؤكد ذلك وجود موقع أثري عند هذه العين، وآثار قرية كبيرة وحواويط مزارع قديمة تمتد لمسافات كبيرة حول العين، وتنتشر عليها كسر الفخار الإسلامي المبكر .
وبجانب موقع هذه القرية توجد أطلال لمبنى منفرد قد يكون قصرا أو منشأة من منشآت الطريق، وترتفع هذه الأطلال إلى أكثر من متر عن مستوى سطح الأرض. وجدران هذا المبنى عريضة ومبنية بالحجر واللبن. وآثاره تشبه بقايا القصور والمساكن الصحراوية التي سبقت الإشارة إليها، وعلى مقربة منه توجد حواويط المزارع القديمة.
وآثار هذه القصور الصحراوية التي عرضناها في هذا الفصل تؤكد ازدهار الحياة الاقتصادية، وتوسع الاستثمار الزراعي في المنطقة خلال القرنين الهجريين الأول والثاني، وتوضح حرص أعيان المنطقة على العيش في مستوى الرفاهية الموجود بحواضر الإسلام الغنية في الشام والعراق. كما أن عمارة هذه القصور تكشف عن رقي الذوق الفني لدى سكان المنطقة، حيث نلحظ فيها إبداعا في بناء العناصر المعمارية، وتفننا في زخرفتها. ومن جانب آخر يلاحظ التشابه في تخطيط هذه القصور، فقد نفذت جميعها بتصميم موحد يقوم على وجود مجموعة من الحجرات والمرافق، تتوزع على جدران أربعة، وتحيط بفناء واسع يتوسط البناء . وهذا التصميم يُعد إمتدادا لتخطيط القصر العربي القديم الذي كان منتشرا في الجزيرة العربية قبل الإسلام، مع اختلاف في التفاصيل، واستخدام عناصر معمارية ضخمة، ومواد خام راقية، وإضفاء بعض اللمسات الفنية الزخرفية على البناء. وبعبارة أخرى يعكس تخطيط هذه القصور التصميم النمطي لطراز القصر العربي القديم مع بعض التأثيرات المعمارية القادمة من الشام والعراق.

- ويمكن حصر الظواهر المعمارية التي تلاحظ على عمارة هذه القصور فيما يلي :

* الاهتمام باختيار الموقع المناسب لبناء القصر.
* استخدام أفضل المواد الإنشائية.
* الاستفادة من المواد الخام المحلية، فنلاحظ استخدام الأحجار في الأماكن القريبة من الجبال واستخدام اللبن والآجر في الأماكن التي يتوافر فيها الطين.
* توظيف أفضل الخبرات الفنية في بناء هذه القصور.
* الاهتمام بمتانة البناء وضخامته، وزيادة ارتفاع الجدران.
* تفضيل الشكل المربع في المسقط العام للقصر.
* استخدام الأبراج والدعامات على الأسوار الخارجية، وهي سمة أساسية من سمات النمط العربي للقصر.
* تعدد المداخل في بعض القصور.
* بناء دكات على جانبي دهليز المدخل.
* كبر حجم الفناء الداخلي.
* قلة عمق المشآت الجانبية المقامة على الفناء .
* تماثل تصميم الحجرات والوحدات السكنية المقامة حول الفناء .
* الاهتمام بقاعة القصر وإفرادها بعمارة مميزة .
* احتمال وجود أكثر من قاعة استقبال واحدة في بعض القصور.
* إستخدام الأعمدة المبنية من الآجر .
* استخدام الأقواس نصف الدائرية، وكانت شائعة الاستخدام في الحجاز خلال العصر الأموي .
* استخدام المثلثات الركنية وتوظيفها في أغراض التسقيف.
* استخدام القبة في تسقيف قاعات القصور.
* استخدام الحنايا المحرابية، لتزيين واجهات قاعات الاستقبال المطلة على الفناء الداخلي، وهو أسلوب معماري ظهر في القصور الأموية ببادية الشام وفي قصر الأخيضر .
* استخدام الجصّ في تلييس الجدران من الداخل والخارج .
* استخدام الجصّ على نطاق ضيق كمونة للبناء مع الآجر .
* التفنن في صف الآجر للحصول على أشكال هندسية متنوعة .

وتجدر الإشارة إلى أن الأطلال الباقية لهذه القصور تخلو من رسوم ذوات الأرواح، ومن الرسوم النباتية والهندسية والكتابية المرسومة على الجصّ، وهي رسوم زُيّنت بها جدران القاعات في قصور العصر الأموي والعصر العباسي الباقية خارج الجزيرة العربية. وغياب هذه الرسوم لا ينفي احتمال استخدامها في قصور المنطقة، فقد سقطت معظم طبقات اللياسة الجصية التي كانت تغطي جدران هذه القصور، ويبقى التنقيب سبيلا وحيدا لتوضيح هذه النقطة، كما لا تتوافر لدي معلومات محددة عن طريقة تبليط الأرضيات بهذه القصور، بسبب عدم قيامي بتنقيبات أو مجسات فيها. فقد تكون هذه الأرضيات مبلطة بالطين، أو الجصّ ، أو بهما معا، وقد تكون مبلطة ببلاطات الآجري، كما أنني لا أستبعد وجود أرضيات فسيفسائية في بعضها. وجميع هذه الأساليب، باستثناء الفسيفساء ، عثرت على أمثلة لها في المجسات الأثرية التي أجريتها في بعض المواقع الأثرية بالمنطقة، والتي تعود إلى تلك الفترة، مثل مدين، والحوراء ، والجار .

مصدر البحث :
كتاب [ الآثار الإسلامية في شمال غرب المملكة ] ص 98 إلى ص 104.
تأليف الدكتور علي إبراهيم غبان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق