( المواقع الأثرية بمنطقة الوجه ) د. علي إبراهيم غبان
تقع منطقة الوجه ضمن ما يعرف عند الباحثين باسم أرض مدين، وقد كانت في عصور ما قبل الإسلام جزءا من أراضي الدولة النبطية. ثم سكنتها منذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا قبيلة بَلِيّ القضاعية. وقد أدى استمرار الاستيطان البشري في هذه المنطقة إلى وجود عدد كبير من المواقع الأثرية فيها: بعضها من عصور ما قبل التاريخ وأكثرها من العصور التاريخية السابقة للإسلام والإسلامية.
فبالنسبة لمواقع ما قبل التاريخ فإن ما سجل منها في المنطقة الواقعة بين وادي الحمض جنوبا، ووادي عنتر شمالا، وواحة بدا شرقا يزيد عن الثمانية مواقع، معظمها عبارة عن منشآت دائرية منعزلة أو في مجموعات عنقودية، وبعضها يأخذ شكلا مستطيلا أو مثلثا، إلا أنه لم يعثر في أغلبها على قطع أثرية أو أدوات حجرية يسهل تأريخها. ومن هذه المواقع موقعان في وادي المياه وموقعان قرب وادي زاعم وأربعة أخرى على الطريق المؤدية إلى [قرية] أبي القزاز .
أما المواقع الأثرية التي ترجع إلى عصور تاريخية سابقة للإسلام فهي نوعان : مواقع نقوش ورسوم صخرية ومواقع استيطان محدود بها منشآت بنائية. وأشهر مواقع النوع الأول الموقع الذي يوجد في منطقة الزريب، فهو يضم عشرات النقوش الصخرية بالخط الذي يطلق عليه اسم الخط الثمودي، تجاورها في غالب الأحيان رسوم تجريدية بسيطة وصغيرة الحجم لجمال أو أشخاص في أوضاع مختلفة. ومن النقوش الثمودية حول الوجه أيضا : موقع البير، ويوجد فيه أربعة نقوش ثمودية على الصخور القريبة من بئر المرحوم الشيخ مصطفى بديوي. كذلك توجد نقوش ثمودية في وادي كبرة وفي وادي العرجا وفي واحة بدا .
أما مواقع النوع الثاني فإن أهمها على الإطلاق موقعي القصير وكركمة. ويقع موقع القصير على بعد 45 كم جنوب مدينة الوجه قرب مصب وادي الحمض. وهو عبارة عن بقايا معبد نبطي الطراز بني من حجر المرو المشذب، ويظهر منه من بين الرمال كرانيش تزين مداميك الجدران، وبقايا أعمدة بديعة الصنع. وينتشر حول هذا الأثر المتهدم كثير من قطع الفخار الروماني والنبطي. وأما موقع كركمة فهو عبارة عن مرسى قديم وبقايا ميناء يرجع إلى عصر الأنباط، واعتقد أن هذا الميناء هو ميناء أكرا الذي تحدثت عنه المصادر الكلاسيكية في احداث القرن الأول قبل الميلاد. ويمكن أن يضاف إلى موقعي القصير وكركمة بعض مواقع الاستيطان التعديني المنتشرة في الأودية الواقعة شرق مدينة الوجه، والتي ربما يرجع بعضها إلى عصور سابقة للإسلام، حيث أن هذه المواقع لم تفحص جميعها فحصا دقيقا لتأكيد هويتها. أما فيما يتعلق بمرسى الوجه فليست لدينا أية دلائل أو بقايا أثرية من التلال الرسوبية المطلة عليه ترجع إلى عصور تاريخية أبعد من العصر العثماني، إلا أننا لا نستبعد وجود آثار قديمة سابقة للإسلام أو إسلامية مبكرة في منطقته تحت مباني بلدة الوجه القديمة، التي بنيت على أنسب المواقع الصالحة للتعمير حول هذا المرسى، والجدير بالذكر هنا أن أول من قال بهذا الاستنتاج هو الرحالة الانجليزي برتون الذي زار الوجه عام 1295هـ/ 1878م. وقد ظن عدد من الباحثين أن ميناء الوجه يمكن أن يكون ميناء أكرا (Egra) الوارد في جغرافية سترابون، عند الحديث عن عودة جنود القائد الروماني إيليوس غالوس إلى مصر بعد فشل حملته العسكرية التي قام بها عام 25/24 قبل الميلاد إلى الجزيرة العربية، وعللوا ذلك بأن الوجه كانت فرضة على البحر لمدينة الحجر الواقعة في وادي القرى، وأنها كانت تحمل اسمها. وعلى أية حال فقد أثبتت أبحاثي الأخيرة في المنطقة أن موقع أكرا النبطي يقع في مرسى كركمة وليس الوجه.
وأما بالنسبة للمواقع الأثرية التي ترجع إلى الفترة الإسلامية في منطقة الوجه فإنها أكثر عددا مما سبق ذكره ويمكن حصر أهمها فيما يلي، مبتدئين بذكر المواقع التي تقع إلى الجنوب من مدينة الوجه ثم التي تقع في شمالها ثم التي تقع إلى الشرق منها :
* آثار أكرى واليعبوب : وموقع أكرى يختلف عن ميناء أكرا النبطي الذي سبقت الإشارة إليه، فهو محطة على طريق الحج المصري، تقع بعيدا عن البحر على أحد روافد وادي الحمض، وتوجد بها بقايا بركة بنيت على طريق الحج في العصر العثماني، وقد كانت أكرى أولى محطات الطريق بعد الوجه في إتجاه السائر إلى مكة. أما اليعبوب فهو اسم مكان يقع قريبا من البحر بالقرب من مركز كركمة، ويرد ذكر اليعبوب في المصادر ابتداء من العصر المملوكي، وكانت به أحساء ماء تنزل عليها قافلة الحجاج. وقد اندثرت اليوم كل هذه الأحساء إلا أنه يمكن التعرف على موضع المنزلة حيث يوجد بها مجموعة من القبور القديمة .
* آثار مرسى الوجه : وهي في مجموعها عبارة عن المباني التي أنشئت في بلدة الوجه القديمة، ويرجع معظمها إلى القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر الهجري( 20/19م ). وهذه المباني مبنية من الحجر الجيري على طراز عمارة حوض البحر الأحمر. وأهم المباني التاريخية في الوجه القديمة ما يلي : مسجد الأشراف، ومسجد البوق، ومسجد البديوي، والزاوية السنوسية، والسوق القديم، وما تبقى من وكالاته، والقلعة التركية، وباب البحر، وجزء من سور مدينة الوجه القديم، وبيت قائم مقام الوجه (دار الإمارة القديم)، وثلاثة صهاريج، وموقع قلعة بلاش، وأرصفة الميناء القديم، وفنار الوجه، بالإضافة إلى عدد من الدور والمساكن القديمة في حي الساحل وحي القرفاء .
* آثار وادي زاعم : ووادي زاعم يقطع على بعد 7 كم شمال الوجه، وفي أعلاه توجد بئر مطوية بالحجار تنسب للشريف هزاع العبدلي أحد المسؤولين إبان حكم الأشراف للمنطقة، كذلك توجد في منطقة زاعم وقبقاب بئران من العصر المملوكي، حفرهما الأمير شاهين الطويل سنة 834 هـ/1431م. وتوجد أيضا في الرس القريب من زاعم بقايا بناء مكون من ساحة وغرفتين .
* آثار وادي عنتر : ويقع هذا الوادي على بعد 45 كم شمال الوجه، ويمر به الطريق المعبد المؤدي إلى ضباء، وبه آثار لطريق الحج يرجع تاريخها إلى العصر العثماني، وتتكون هذه الآثار من بركتين وأربع آبار جميعها مبنية بالحجر الجيري. وعلى البحر عند مصب وادي عنتر يوجد موقع العويند وبه قرية أثرية صغيرة مسورة مساحتها 200 × 100م ، ترتفع أطلالها نحو 2م عن سطح الأرض المحيطة بها، وتدل الملتقطات السطحية المنتشرة عليها من فخار وحجر صابوني وزجاج وخرز على أنها ترجع إلى العصرين العباسي والفاطمي. وقد كانت العويند فرضة وميناء لوادي القرى، وربما وجدت آثار سابقة للإسلام تحت آثار الموقع الإسلامي، ويرى الدكتور عبدالرحمن الأنصاري أن اسم العويند اسم قديم يرجع إلى عصور سابقة للإسلام، وأنه يمكن أن تكون مكونا من الكلمتين ( عون - ود ) : عون مصدر للفعل أعان وود اسم الصنم المعروف الذي ورد ذكره في القرآن الكريم .
* آثار واحة بدا : وتقع واحة بدا على بعد 70 كم شرقي مدينة الوجه، وقد كانت في الخمسة قرون الهجرية الأولى محطة على طريق الحج المصري الداخلي، وبها بركة قديمة وآثار قنوات تمتد من عين بالواحة إلى البركة، ويجاور ذلك موقع أثري لقرية صغيرة تدل ظواهره السطحية على أنه يرجع إلى الفترة الأموية والعباسية، وبالقرب من الموقع يوجد جبل شهيبة بدا الشمالية، وعلى صخورة عثرنا على ما يزيد على ثلاثمائة نقش كوفي مبكر نقشها الحجاج الذين كانوا يمرون بهذه الواحة وهم في الطريق إلى المدينة .
* مواقع التعدين في أم قريات ووادي المياه ووادي العرجا وأعلى وادي عنتر، ويزيد عددها على اثنى عشر موقعا : بعضها بنيت بقربه مستوطنة صغيرة والبعض الآخر عبارة عن مناجم، ومعظمها كان يستخرج منه الذهب .
* آثار وادي الزريب وتشمل خمسة مواقع أثرية هي :
- مستوطنة حويطات التعدينية.
- مستوطنة المتقابل التعدينية.
- ثميلة الزريب والكتابات الكوفية المنقوشة على الصخور المجاورة لها.
- قلعة الزريب والبرك والآبار المحيطة بها .
- آبار وادي سِبَيّل .
ويبلغ عدد الآبار القديمة في وادي الزريب سبع عشرة بئرا منها ست عشرة بئرا سلطانية، ونعني بذلك البئر التي حفرت وطويت على نفقة السلطنة المملوكية أو السلطنة العثمانية أو في عهد حكمها للمنطقة. أما البئر السابعة عشرة فقد حفرت في بداية العهد السعودي .
مصدر البحث :
كتاب [ بحوث في التاريخ والآثار ] ص 20 إلى ص 28 .
تأليف الدكتور / علي إبراهيم غبان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق