الخميس، 6 نوفمبر 2014

بين الوجه وضباء ودار الأشباح (2)

هذه الرحلات والذكريات من كتاب (صدى السنين) للأستاذ عبدالله بوقس، حيث قام برحلات للمدن الحجازية الشمالية في السبعينات الهجرية، للإشراف وكتابة التقارير عن حالة التعليم .

"بين الوجه وضباء ودار الأشباح" (2)  -  بقلم/ عبدالله بوقس

بين مدينة "الوجه" و"ضباء" مائة وخمسون كيلو مترا، وقد توخينا في مسيرتنا السهل الساحلي، وإن كان لا يخلو من متاعب في الأودية، وأشهرها ( وادي سلمى وعنتر)، حيث كانت الإطارات تغرس في الرمال، وكانت الصاجات الحديد المستطيلة وسيلتنا للخروج من هذه الرمال، كما أن الطريق لا يخلو من آثار لبعض القلاع والبرك التي كان يستعملها ركب الحجيج المصري..

توجهنا حال دخولنا (ضباء) إلى دار الضيافة، وكالعادة توافد مدير المدرسة وبعض الأساتذة لزيارتنا، ولكني لمست همسا متبادلا بين مدير المدرسة وبعض المدرسين، وكان العم حسن سائقنا المقدام مصابا بحب الاستطلاع، استدرج أحد المدرسين ليعرف منه سر الهمس المتبادل بينهم .. فقيل له أن هذه الدار يسكنها الجان، وما دخلها أحد إلا أصابه مس من الجنون .. وشعرت بملامح وجهه قد تبدلت وآثار خوف وفزع بدا عليه، قلت ما بك يا عم حسن ؟ قال: الدار مسكونة والأساتذة خجلوا من مصارحتك بذلك .. وضحكت وقلت له إنها إشاعة، وربما كان قصدهم تخويفنا حتى نغادر ضباء على وجه السرعة.

وفي المساء بينما كنا نتناول وجبة العشاء، لفت نظرنا خروج فأرين ضخمين من الغرفة المجاورة، وما أن شاهدهم القط الذي كان بداخل الغرفة حتى انسحب خائفا رغم ضخامته، وكنت أتوقع أن يفترسهما ولكن خاب ظني فيه وتعجبنا، وقام الطباخ "عرفه" بمطاردة الفأرين وسد المكان الذي خرجا منه .. وحين اقترب وقت النوم استأذن مني العم حسن للخروج من الدار ومعاونه قائلا: بصراحة أنا خائف، وما أن جاوز عتبة الدار حتى صاح صارخا "إلحقوني .. مسكوني" وأقبلت عليه ووجدت أن قدمه زلت وخرقت السقف لثقل جسمه، وضحكنا جميعا وتركنا العم حسن مع معاونه يذهب للنوم في الخلاء .

والواقع أن الدار كئيبة وجوها يشعرك بالخوف، ومع هذا استعنت بالله وحصنت نقسي بقراءة بعض السور من القرآن والأدعية المعروفة، وفي الصباح وقبل تناولنا الإفطار قمت وأشعلت "الموقد" لكي أسخن الماء عليه، وأحضر لي "عرفة" الطباخ جالونين من الماء، وبعد أن تم تسخين المياه رأيت أن استحم في إحدى الغرف لأن الحمام كان وسخا وقذرا، كانت أرض الغرفة مستوية واستدرت استعداد للاستحمام وإذا بالماء المغلي والبارد ينساب تحت قدمي، والتفت فإذا جالونا الماء البارد والمغلي قد فرغا من الماء، وكأن يدا خفية فعلت ذلك، فذعرت واندفعت بقوة نحو الباب لأن الأرض مستوية، وارتديت ملابسي واتجهت فورا لدار الإمارة وطلبت من أميرها نقلي لدار أخرى، وعلق العم حسن قائلا: هل صدقت أن الأمر لم يكن إشاعة كما كنت تتصور بل حقيقة.

في ضباء لم يكن سوى مدرسة ابتدائية واحدة، إلا أنني أثناء حضوري حصة أحد المتعاقدين لفت نظري أن تحضير دروسه كان مكتوب بخط جميل وبأسلوب جيد، لكن خطه على السبورة رديء وأسلوبه سيء وكثير الأخطاء، وبعد انتهاء الدرس طلبت من مدير المدرسة احضاره لمناقشته، وفوجئت بالأستاذ يجهش بالبكاء واعترف أن تعليمه متوسط وأن شهادته الجامعية التي قدمها للمعارف ليست له بل لأخيه، وقد زور الإسم الأول منها، وهو في الأصل حلاق وليس مدرسا .. أما التحضير فهو إعداد زميل مدرس يتقاضى منه مقابل إعداد دروسه 30% من راتبه، وستكملت التحقيق مع الاخر وطلبت إلغاء عقديهما واستبدالهما بمدرسين اخرين.
وحتى لا تتعطل الفصول التي خلت من هذين المدرسين قمت بضم بعض الفصول، وتنظيم الجدول العام الدراسي حتى تنتظم الدراسة في كافة الفصول الدراسية.

يتبع..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق